Credit: Apprentices of metal-working trades learn and practice at training centre ATEC in Palmela, Portugual, 25 June 2014. Photo: Tim Brakemeier/dpa (Newscom TagID: dpaphotostwo183579.jpg) [Photo via Newscom]

حلم مؤجل: عدم المساواة والفقر عبر الأجيال في أوروبا

ذات مرة، تساءَل الشاعر لانغستون هيوز: "ما مصير الحلم إذا تأجَّل؟" إنه سؤال يلمس الملايين حول العالم حاليا، وخاصة الشباب، بسبب عدم المساواة والفقر.  

ويُطلِق خبراء الصندوق هذا الأسبوع بحثا جديدا عن الاتحاد الأوروبي يسلط الضوء على تأثير البطالة والعواقب طويلة الأجل التي تترتب على عدم كفاية الحماية الاجتماعية للشباب. وتستكشف الدراسة أيضا بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد على معالجة المشكلة والحد من عدم المساواة والفقر للجيل القادم.

ولا شك أن أوروبا ليست المنطقة الوحيدة التي يواجه فيها الشباب تحديات معاكسة. غير أن توافر البيانات المجمعة عن المجموعات العمرية المختلفة طوال العقد الماضي يتيح لنا إلقاء نظرة أعمق على الأوضاع في أوروبا.

ولعل عدم المساواة في أوروبا يبدو للوهلة الأولى أقل خطورة منه في مناطق أخرى. فلا يزال متوسط عدم المساواة في توزيع الدخل مستقرا إلى حد كبير في أوروبا منذ عام 2007. ويرجع الفضل الأكبر في ذلك إلى قوة شبكات الأمان الاجتماعي وإعادة توزيع الثروة، وهي إنجازات مهمة ساعدت ملايين من المواطنين وعززت مركز أوروبا مقارنة بكثير من الاقتصادات المتقدمة الأخرى.

ولكن وراء هذه الأرقام البراقة، هناك اتجاه عام مثير للقلق، وهو ما تشهده أوروبا من اتساع كبير في الفجوة بين الأجيال. فالسكان في سن العمل، وخاصة الشباب، بدأوا يتأخرون عن الركب.  

وما لم يحدث تحرك في هذا الصدد، قد لا يتمكن جيل كامل من التعافي أبدا.

كيف وصلنا لهذا الحال؟

ما الذي دفع لظهور عدم المساواة بين الأجيال في أوروبا؟ ينطوي عدم المساواة على أبعاد عديدة – منها الثروة والنوع الاجتماعي – لكن دراستنا تركز أولاً على الدخل.

وقد تراجعت دخول الشباب بعد أزمة 2007 بسبب البطالة، ثم تعافت بعدها ولكنها لم ترتفع. أما من يبلغون من العمر 65 عاما فأكثر، فقد زادت دخولهم بنسبة 10% حيث كانت معاشاتهم التقاعدية تحظى بحماية أفضل.  

وإذا نظرنا إلى سوق العمل، يمكن أن نرى أين نشأت الأزمة. فقد بدأت بطالة الشباب مرتفعة وسجلت ارتفاعا حادا إلى 24% في عام 2013. واليوم، لا يزال شاب واحد تقريبا من كل خمسة شباب يبحث عن فرصة عمل.

ويوضح البحث الذي أعده خبراء الصندوق أن البطالة يمكن أن تترك "ندوباً" غائرة؛ فبعد فترات البطالة الطويلة ومع الخبرة المحدودة، تتراجع احتمالات عثور الشباب على فرص عمل. وإذا حصلوا عليها، فمن المرجح أن تكون أجورهم منخفضة. وقد يصبح من الصعب على أي فرد، إن لم يكن مستحيلا، تعويض الأجور التي لم يحققها والأموال التي لم يدخرها في فترة لاحقة من حياته الوظيفية. 

Inequality

وتبلغ نسبة الديون إلى الأصول أعلى مستوياتها بين الشباب مقارنة بالفئات العمرية الأخرى، وهو ما يعني أنهم أكثر عرضة للصدمات المالية. وجوهر الأمر هنا هو أنهم يؤجلون أحلامهم.

لكن الدخل ما هو إلا جزء من القصة التي يشكل الفقر جزءا آخر منها.

دخل أقل، وفقر أكثر

كان الفقر النسبي للشباب((24-18 عاما) والفئات العمرية الأكبر (65 فأكثر) متشابها في أوروبا قبل الأزمة المالية العالمية. غير أن فجوة كبيرة نشأت منذ وقوع الأزمة، فأصبح شاب واحد من بين كل أربعة شباب في المنطقة معرضا للفقر – أي أنه يعيش على دخل يقل عن مستوى الدخل الأوسط بنسبة 60%.

Inequality

وليست البطالة وحدها هي التي أوصلتنا إلى هذه النقطة. فقد أصبحت البطالة الجزئية أوسع انتشارا عقب الأزمة.  
ومع ظهور ما يسمى باقتصاد "العربة" وزيادة العقود المؤقتة، تفاقمت المشكلة وزاد عدم الاستقرار الوظيفي، وخاصة بين الشباب. ومن المؤسف أن تغطية شبكات الأمان الاجتماعي للشباب لم تعد تتيح لهم تغطية كافية إذا ما فقدوا وظائفهم أو عثروا على عمل بدوام جزئي فقط.    

حماية اجتماعية غير كافية

وبالإضافة إلى هذه القضايا المتعلقة بالدخل وسوق العمل، كثيرا ما تم تخفيض المزايا الاجتماعية غير التقاعدية بعد الأزمة، كما أصبحت تُوجُّه لفئات محدودة في بعض الأحيان، أو تُستبعد من الربط بمؤشر التضخم. ومن ثم، تراجعت فعالية هذه البرامج بالنسبة للشباب.
وللتوضيح أقول إن برامج مثل برامج معاشات التقاعد والضمان الاجتماعي ساعدت الملايين قبل الأزمة ومنذ وقوعها. وقد حظي كبار السن بالتحديد على حماية جيدة نسبيا في أوروبا – وهو ما ينبغي أن يستمر بالطبع. ولكننا نحتاج في نفس الوقت إلى سياسات تولي اهتماما أكبر للشباب وتعبر عن طبيعة العمل المتغيرة.  

والخبر السار هو أن بعض البلدان في أوروبا تحقق تقدما بالفعل.  

ففي ألمانيا، استطاع الشباب البقاء في سوق العمل بمساعدة البرامج القائمة منذ وقت طويل والتي توفر لهم التلمذة المهنية والتدريب. وسمحت لهم قواعد العمل المرنة بأن يحافظوا على وظائفهم أثناء الأزمة وبعدها. ومن الملاحظ الآن أن بطالة الشباب في ألمانيا هي الأدنى بين بلدان الاتحاد الأوروبي.  

وتعتبر البرتغال مثالا جيدا آخر، حيث أعفت من يتقلدون وظيفة للمرة الأولى من دفع ضرائب الضمان الاجتماعي لمدة ثلاث سنوات. ورغم استمرار معدل البطالة المرتفع بين الشباب، فإن هذا الإجراء يسير في الاتجاه الصحيح.

الخطوات القادمة للجيل القادم

إذأً، ما الذي ينبغي أن يفعله صناع السياسات؟ يطرح عملنا البحثي بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد على تخفيض عدم المساواة والفقر عبر الأجيال في أوروبا.  

  • أولا، ننظر إلى أسواق العمل. فحتى نخلق مزيدا من الوظائف ونحفز العمل، يمكن لصناع السياسات تخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي والضرائب على العمالة ذات الأجور المنخفضة. وللمساعدة على تحسين الفرص الوظيفية في المستقبل، يمكن أن تستثمر الحكومات في التعليم والتدريب، مما يمكن أن يساعد الشباب في التغلب على نقص المهارات.  
  • ثانيا، تستطيع البلدان زيادة فعالية الإنفاق الحكومي على الحماية الاجتماعية. كيف؟ جزء من الإجابة هو تطويع الإنفاق الاجتماعي، وخاصة إعانات البطالة والمزايا غير التقاعدية الأخرى، للظروف المتغيرة بما يضمن للشباب حماية اجتماعية أفضل إذا فقدوا وظائفهم.   
  • ثالثا، الضرائب. فضرائب الثروة اليوم أقل مما كانت عليه في عام 1970. وفي بعض البلدان، يمكن أن يساعد اعتماد مزيد من التصاعدية في النظم الضريبية وضرائب الثروة (بما فيها ضرائب التركات) على تمويل البرامج الاجتماعية الضرورية للمواطنين الشباب.

ودعوني أؤكد مرة أخرى: لا يتعلق هذا بفئة عمرية في مقابل فئة أخرى. فبناء اقتصاد موات للشباب ينشئ ركيزة أقوى للجميع. والشباب أصحاب المسارات الوظيفية المنتجة يمكن أن يساهموا في شبكات الأمان الاجتماعي، كما أن تخفيض عدم المساواة بين الأجيال يسير جنبا إلى جنب مع خلق نمو مستمر وإعادة بناء الثقة داخل المجتمع.

وكل هذه الأمور لا يسهل تحقيقها. فالسياسات ينبغي تصميمها بما يتناسب مع ظروف كل بلد، كما ينبغي أن تنم عن إدراك لمعطيات الواقع السياسي، وأن تظل في حدود الميزانية المقررة.

ولكن لا شك أن الآن هو اللحظة المناسبة للحركة – ذلك أن "الوقت المناسب لإصلاح السقف هو وقت سطوع الشمس".
ومع زيادة قوة النمو العالمي، والتعافي الجاري في أوروبا، أمامنا فرصة للقيام بالمهام الصعبة التي لم يكن لنا أن ننجزها إذا اختلفت الظروف. يمكننا تصميم السياسات التي تتيح للجيل القادم تحقيق إمكاناته. يمكننا المساعدة في إزالة ندوب الأزمة الغائرة، ويمكننا ضمان ألا يتساءل الجيل القادم: "ما مصير الحلم إذا تأجل؟".